أصل العبث

0


" كان هنالك رجل أحمر الشعر، ليس لديه عيون ولا آذان ، لم يكن لديه شعر أيضاً، وكان يسمى «أحمر الشعر» نظرياً فقط .. لم يكن قادراً على الكلام لأنه ليس لديه فمّ ولم يكن لديه أنف. لم يكن لديه سيقان ولا أيدي ، لم تكن عنده معدة، ولا ظهر، ولا عمود فقري، ولم تكن لديه أحشاء داخلية، لم يكن لديه أي شيء مطلقاً ! لذا ليس واضحاً عمن نتحدث نحن في الحقيقة . و لذلك من الأفضل أن لا نتحدث عنه مطلقاً .... "
ديه قطعه من الادب العبثي , جزء من اعمال الاديب الروسي , رائد مدرسه العبثيه الجديده " خارمس " , دانيل خارمس .. و بالمناسبه الكام كلمه اللي فوق كانوا السبب في موته !! 
موضوع العبثيه عموما بيبتدي بعد الحرب العالميه علي ايد صمويل بكيت و البير كامو , و كان عباره عن بحث في اعماق النفس البشريه ,, رؤيه مختلفه للواقع علي انه كتله من العبث و اللانظام , سلوك فوضوي غير ممنهج هو المسؤول عن الواقع المريض ده , و المدرسه العبثيه القديمه تميزت بروح الكتابه السوداويه , خليط مرعب من اليأس و المجهول ... عكس العبثيه الجديده تماما .. المتمثله في خارمس و رفاقؤه ..
ايام ستالين و القمع العسكري الروسي و كان الحل الوحيد للمقاومه هو الفن ! و من هنا اتأسست حركه " أوبيريو " الحركة الطليعة الروسية الحديثه و او ترجمتها العربي "حركه الفن الحقيقي " , كانت بتضم مجموعه من الادباء و الشعراء و الفنانين , سلاحهم كان افكارهم و ابداعهم .. كان بعددهم الصغير و امكانيتهم الضعيفه بيهددوا كيان الدكتاتور الستالين بطريقه مرعبه ! كلمه منهم اقوي من جيوشه و اسلحته .. و عشان كده كان العدو الرئيسي لنظام ستالين القمعي هو المبدعين ,, فابتدي يحبسهم , يشوهم , يقتلهم ! 
العبثيه الجديده , كانت عكس العبثيه القديمه في ظروف ميلادها , ايام ستالين كان في حاله ثوره شعبيه انقلب عليها الديكتاتور ستالين , انقلب عليها باسم حمايه الاشتراكيه و مبادئ الثوره الشيوعيه ! .. فكانت الثوره المحرك الرئيسي للعقول و القلوب في الوقت ده , المشكله مكنش في يأس الجماهير , انما المشكله كانت في تغيبهم و تجرديهم من مبادئ الحريه و الكرامه ! فكان المطلوب هو العبث الثوري ! 
هنا ظهر ادب " انعدام المعني " , الاسم الاصح للادب " العبثي الجديد " اصل الكلمة الروسية اللي استخدمها الأوبيريويون كصفة لأعمالهم هي (bez smysla) و اللي معناها حرفيا "انعدام المعنى" . فانعدام المعني بالنسبه لهم زي رحله فلسفيه لما هو وراء المعني الواقعي ، فالنزول في نهر العدم هدفه اكتشاف معنى آخر متحرر من الروابط السائده والمنطقية بين المعنى والكلمة , هدم لكل أنماط الإدراك التقليديه , الخروج برا نطاق الواقع المؤلم لمعني أسمي و أرقي .. و كان العبث هو العلاج الوحيد لعقول مخدوعه و مصدقه نظام قايم علي الحقايق المزيفه ! نظام قدم نفسه للناس انه المالك الوحيد للحقيقه المطلقه و مفيش حقيقه تانيه غيره , كان العبث هو الامل , هو البديل , هو الحل ! 
العبثيه , او ( انعدام المعني ) كانت خطورتها انها بتصدم الانسان , بتوصل لاعماقه , تأكد له علي ضياع نفسه و فكره .. مكنتش بتقدم حلول او اجابات , انما كانت بتقدم فرصه تانيه لرؤيه اشمل و اعمق , نظام ستالين لما قبض علي اعضاء حركه " أوبيريو " كان مبرره انه بتهريجهم و فنهم بيلهوا الناس عن الثوره الاشتراكيه الحقيقيه ! و هو ده جوهر العبثيه , جوهرها هو بساطه المقاومه ! حركه " أوبيريو " مكنوش بيعملوا بيانات او يمارسموا اي عمل سياسي ابدا , مكنوش حتي بييشتركوا مع المثقفين المعقدين بتوع الدوله الاشتراكيه في الفاظهم المعقده و نظرتهم النخبويه للشعوب ! و عشان كده كانوا مثقفين الدوله بيتهموهم انهم اعداء الثوره الشيوعيه الحقيقه و اعداء البلورتاريا ! ... 
كان شعارهم : 
"نحن، الأوبيريويين ، نتعاطى ممارسة الفن بكل نزاهة فنحن شعراء إدراكٍ جديدٍ للعالم . لسنا مبدعي لغة شعرية جديدة بل ، مؤسسي شعور بالحياة والأشياء المأهولة بها. إرادتنا في الإبداع كونية: فهي تتعاطى كل الأشكال الفنية وتقتحم الحياة والعالَم المتسخ بلغات حشد من الأغبياء الغارقين في مستنقع "الانفعالات" و"العواطف" ، ها انتم تشكون بأنه ليس هنا الشيء نفسه الذي ترونه في الحياة ؟ و لكن اقتربوا والمسوه بأصابعكم . انظروا إلى الشيء بعيون عارية وسترونه منظفا ، من طلائه الذهبي الأدبي المتفسخ ! ربما ستصرّون على أن مواضيعنا غير حقيقية وليست منطقية. لكن من قال أن المنطق "اليومي" كان إلزاميّا للفن ؟ نحن نندهش بجمال امرأة مرسومة بصرف النظر عن أن الرسام قد خلع لوح الكتف وأزاحه جانبا . فلا تخشوا الفن , فانه لا يدمر الشيء وإنما يساعدنا على فهمه ". 
فقليل من العبث ملطوب احياناً .... 

اللي يحب يقرا اكتر عن الادب العبثي  : 

No comments:

Post a Comment

Powered by Blogger.

About

Popular Posts

جميع الحقوق محفوظه © كيرلس بهجت

تصميم الورشه