ابريق راسل

0


" .... إذا أمكنني أن أشير أنه يوجد بين الأرض والمريخ إبريق مصنوع من الخزف الصيني يدور حول الشمس في مدار بيضوي، لا يمكن لأحد أن يدحض افتراضي ، إذا كنت حريصاً على ذكر أن الإبريق أضغر من أن تراه أقوى التلسكوبات الموجودة عندنا. ولكني إذا انتقلت إلى الادعاء بأن افتراضي يتمتع بخاصية أنه لا يمكن اثبات عدم صحته، وبذلك فانه من غير المقبول لأي عقل بشري متزن أن يشكك في صحته، فبالتأكيد يجب أن يعتبرني الناس أتحدث بجنون خالص. ورغم ذلك فإنه إذا وجد في نصوص قديمة ما يؤكد وجود مثل ذلك الإبريق، واعتبر كشيء مقدس كل يوم أحد، وزرع في عقول الأولاد الصغار في المدرسة، فإن شككت في وجودها فسيكون ذلك علامة على عدم الاتزان ويجذب ذلك المشكك انتباهات طبيب نفساني في عصر مستنير كعصرنا أو أي فضولي في العصور السحيقة .... "

جزء من مقاله لبيرتراند راسل سنه 1952 تحت عنوان "هل هناك أله ؟؟ "

من جهه المنطق البشري , كل اللي بيقوله راسل صح ميه في الميه ... مينفعش اقولك في ابريق شاي في الفضاء , في زتونه في المحيط الهادي , في دبوس في الصحرا الغربيه , في اي حاجه انت لا شايفها و لا عارفها , في حته بعيده تماما عن مدي ادراكك , حاجه من غير اي دليل مادي او صوره مرئيه و اطلب منك انك لازم تصدقني و تؤمن كمان بوجودها !! و لو اعترضت اقولك اثبت انت انها مش موجود عشان تنفي صحه كلامي .. مع ان لو فعلا في حد لازم يثبت حاجه , فالحد ده حيكون المدعي , اللي هو صاحب الفكره من الاساس .. و من هنا راسل قاس فكره الابريق الشاي اللي احنا مش شايفنه ديه علي اساس انه الأله اللي برضه مش شايفينه ! 

بس هو هنا في مشكله كبيره جدا ... و هي هل المؤمن اصلا بيبص علي الأله علي اساس أنه ابريق شاي ؟! يعني هل المنطق اللي يسري علي ابريق شاي له جسم حاكم ابعاده , جسم له نهايه و له بدايه , ممكن يسري علي فكره أله ملوش بدايه و نهايه , ملوش حدود !؟؟! ممكن بيرتراند راسل , ريتشارد دوكنز , كارل ساجان و غيرهم من اساطير العلوم و عباقره الفلاسفه الغير مؤمنين بفكره الأله .. متوقعين ان الأله ده جسم كبير طاير في الفضاء المطلق , او انه حد عملاق لابس طايقه اخفاء مستخبي في مكان ما , او انه صرح ضخم هما عاوزين ياخدوا منه عينه تحت المكرسكوب عشان يتاكدوا انها عينه ألاهيه ! و عشان كده في وجهه نظري السؤال اللي اهم من "هل هناك أله " هو "ما هي طبيعه هذا الأله ؟!" ناس كتير بترفض وجود أله و ناس اكتر بتقبله , من غير ما تفكر يعني ايه اصلا أله ؟! بنتولد علي اساس ان في أله , في خالق , في رب .. و نتحرم من السؤال عنه , من التفكير فيه , من المحاوله لمعرفه السر من وجوده .. و لما نيأس نعلن بكل يقين انه مش موجود , انه خيال , انه وهم ! او انه موجود بالعافيه عشان هو كده و خلاص !! اه طبعا راحه الوصول لنتيجه -ايان كانت ايه النتيجه - شيئ في غايه الروعه , غلق كل ابواب الشك او التساؤل بنفي قاطع او ثبوت قاطع عمل سحري .. اطلاق اي حقيقه مطلقه يكاد يكون افضل حل للتعامل مع قضيه زي وجود الأله او لأ .. غير متعبرين بمحدوده التفكير البشري , غير معتبرين لنسبيه الادراك الانساني , غير معتبرين بالتاريخ العقلي للحضاره البشريه اللي اثبت من بدايته لغايه دلؤتي انه بيخضع لتطور مستمر و متغيرات متقلبه عمرها حتنتهي او حتوقف عند حقيقه ما .. لا حقيقه لرجل دين في غايه الايمان , و لا حقيقه لفليسوف عبقري في غايه الالحاد .. اه يمكن مش قادرين نشوف حاليا ابريق الشاي , بس يمكن قدام نقدر نشوفه ! او يمكن عقليه الانسان في المستقبل تكون مهيئه اكتر انها تستوعبه , او يمكن ابريق الشاي نفسه يقدر بشكل ما يوصل لافكارنا , ضميرنا , حياتنا ... و لغايه ما تيجي اللحظه ديه و اللي يمكن متجيش , الذات الانسانيه المتفرده هي الوحيده قادره علي تقرير ادراكها لأبريق الشاي او عدمه ! 

في النهايه , اختم بحته انا بعشقها في رواية "التائهون " للمبدع (أمين معلوف) : 
"فانا لستُ من أتباع أي دين ، ولا أشعر بالحاجة لأن أصبح كذلك. و موقفي من هذه المسألة غير مريح لا سيما وأنني لا أشعر بنفسي ملحدًا كذلك. لا أستطيع أن أؤمن بأن السماء فارغة، وبأنه لا يوجد بعد الموت سوى العدم. فماذا يوجد وراء ذلك؟ لا أدري. هل يوجد شيء ما؟ لا علم لي. أرجو ذلك، إنما لا أعرف؛ وأشعر بالريبة إزاء من يدعون المعرفة، سواء كانت أشكال يقينهم دينية أم ملحدة. 
إنني في منزلة بين الإيمان وعدم الإيمان مثلما أنا في منزلة بين وطنين، ألاطف هذا وألاطف ذاك، ولا أنتمي لأي منهما. لا أشعر بنفسي غير مؤمن إلا حين أستمع إلى عظة رجل دين؛ ففي كل عظة، وكل إشارة إلى كتاب مقدس، يتمرد عقلي، ويتشتت انتباهي، وتتمتم شفتاي لعنات. غير أني أرتعش في أعماقي حين أحضر مأتمًا علمانيًا، وتتملكني الرغبة بدندنة تراتيل سريانية، أو بيزنطية، أو حتى ترتيلة القربان المقدس القديمة التي يقال إنها من تأليف توما الأكويني. 
ذلك هو درب التيه الذي أسلكه في مجال الدين. وبالطبع، أسير فيه وحيدًا، بدون أن

No comments:

Post a Comment

Powered by Blogger.

About

Popular Posts

جميع الحقوق محفوظه © كيرلس بهجت

تصميم الورشه