
سنة 724 م , و في ظل الحُكم الأموي , تم صلب المُفكر (غيلان القدري ) علي يد الخليفة هشام بن عبد الملك .. و اللي أتسمي بـ "القدري" , عشان كان مختلف مع المدرسة الفلسفية " الجبرية " و اللي كانت شايفة أن الأنسان مُجبر علي أفعاله , أما غيلان كان مؤمن ان الانسان عنده اراده حره و أن القدر الإلهي مش بيجبر الانسان علي حاجة , هو نفسه مش راغب انه يعملها ! فالقدر قدر الانسان نفسه !! .. و اللي كان بالنسبه للمدرسة "الجبرية" اللي كانت مسيطرة علي الفكر في الوقت ده , كُفر !
الحتمية ( الـ Determinism ) , مدرسة فلسفية بتقول الأنسان عايش في وهم الإراده الحرة , و الحقيقة أنه غير مسؤول تماما عن اللي بيعمله , انما كل فعل بشري بيحصل , ده نتيجه حتمية لخطه معينة موجودة قبل وجود الأنسان او عوامل خارجيه او داخليه الانسان ملوش اي سيطرة عليها ... فمثلا في مجرم معين عمل جريمة قتل , فجريمة القتل اتعملت عشان هو مكتوب له انه يعملها , فمزاجه او مش بمزاجه هو حيعملها ! او حتي راجل عمل خير , فده محتوم انه يعمله , فالخير هنا اتعمل لمجرد انه مُجبر مش باراداته الحره ..
ناس كتير بتربط بين الحتمية و الأديان بس , مع أن في ملحدين كتير مؤمنين بالنظرية الحتمية , بس من منظور مُختلف .. فـ Sam Harris من أشهر المُفكرين الملحدين , بيقول ان مفيش حاجة أسمها أرادة حُرة .. فأحنا كبشر بنعمل سلوك معين , عشان أحنا مُجبرين عليه , بس الإجبار مش من خطة ألهية , أنما عشان تصميمتنا الطبيعية , فالمجرم هو مُجبر علي فعل الجريمة , عشان تربيته اللي هو ملوش ذنب فيها , عشان جيناته اللي وارثها غصب عنه , عشان الظروف اللي حواليه اللي دفعته و أجبرته علي كده ! فأحنا كبشر عبيد لعوامل الطبيعة و الظروف ..
بس أزاي الحتمية ديه ممكن تكون صح ؟! ازاي الأنسان يكون ملوش حق الأراده الحرة ؟! فلو المُجرم بيعمل حاجه لمجرد ان في خطة ألهية عاوزاه يعملها ؟! فبأي ذنب يتحاسب علي غلطته ؟! .. سواء غلطته امام الله اللي وضع له الخطه ؟! او امام القانون اللي بيحاسب الناس ! فحسب Sam Harris ,, أنا حروح أتحرش بأي واحدة , عشان هرموناتي هي اللي دفعتني أعمل كده !؟
سي أس لويس , المفكر الفلسفي , كان عندة وجهة نظر في الموضوع ده ,, و هو أن المشكلة مش أن الإنسان عندة إرادة حرة او لأ ,, إنما المشكلة أنه أزاي فاهم الإراده ديه ؟؟ .. عشان الموضوع يبقي أسهل , خلينا نتخيل طفل في حضانه ماسك عود كبريت و بيلعب بيه ,, و المُدرسة واقفة من بعيد شايفة الوضع ده ,, لعلم المُدرسة و أدراكها اللي أكبر بكتير من الطفل ده , هي عارفة كل النتايج اللي ممكن تحصل , و خصوصا لو فاهمة عقل الطفل أوي , فهي عارفة بالظبط اي اختيار الطفل حيعمله ! .. و ليكن أنه حيلسع نفسه ,, هنا هي عارفه الأختيار و عارفه انه حيضر نفسه , بس سابته هو اللي ياخد القرار عشان يتحمل نتيجته , عشان بتحترم كيانه كشخص مش كطفل ! , فعلمها باللي هو حيعمله مش متناقض تماما مع حريته , أنما هو عمل اللي في دماغها , بس بارادته !
فحسب سي أس لويس , العلاقة بين الله و الإنسان علاقة ناضجة قايمة علي فكرة الاختيار و تحُمل النتيجة , و من هنا بيتبلور مفهوم العدل الإلهي , فالأنسان مش مجرد قطعة شطرنج منزوع الإراده و المسؤولية , أنما هو عضو واعي و فعال , بسلوكه و أختياراته بيخلق معني جوهري للواقع , أسمة الحتمية الأنسانية ..
No comments:
Post a Comment