
- إنني لن أستطيع الزواج بك فأنا لا أملك شيئا ..
- سنتزوج !
- ستشقين معي فأنا لا أملك قوت يومي
- سأشقي أكثر بدونك , و أنا أملك قوت غدي !
- كيف يمكنني الزواج بك في ظل كل ظروفي الأجتماعية , ألم تدركي بعد أني لا أستطيع رؤيتك كل يوم لأن علاقة الحب هي بالأساس علاقة اقتصادية لا أقدر عليها ... فإنني أتكلم عن ثون كوب الشاي الذي لابد أن أدعوك إليه .. عن ثمن علبة سجائري التي لابد من توافرها معي كي لا أستعير سجائرك .. عن الوصول إلي موعدك عبر مواصلات عامة خانقة لابد من توافر ثمن تذاكرها ! إني أتكلم عن الجوع الذي يحاصرني يوميا , فأنام هاربا منه ُو أستيقظ به للقاءك !!
- أمل !! إننا سنتزوج ليس فقط أنتصارا للحب , و لكن أنتصارا لأختياراتك !!
من كتاب " الجنوبي " و اللي يعتبر مذكرات الكاتبة "عبلة الرويني " مع زوجها الشاعر "أمل دنقل "
سنة 1979 , راحت الصحفية بنت الذوات "عبلة الرويني " عشان تعمل لقاء مع الشاعر " أمل دنقل " , و أبتديت تسأله و هو يجاوب بكل صدق و أمانه .. لكن في وسط اللقاء أبتدت تبان علامات الغرابة و الأندهاش علي عبلة نتيجة المكان اللي هما قاعدين فيه ! و خصوصا ان "أمل دنقل " كان بيقعد علي القهاوي الفقيرة عشان مكنش بيكون معاه فلوس .. لكن لما حس أمل كدة , قرر أنهم يروحوا مكان تاني عبلة متحسش فيه أنها مختلفه .. و فعلا راحوا بار فندق كوزمو بوليتان و هناك خلصوا الحوار ...
" لم تكن تملك إلا طهرها ... لم يكن يملك إلا مبدأه " .. أمل دنقل
من ساعة اللقاء ده و عبلة بتفكر في أمل , بتبص له كرمز للأنسان الشجاع , الأنسان صاحب المبادئ , الشاعر الملهم .. أمل بيكبر أوي في عين عبلة و بتقرر تتعرف عليه أكتر .. بتدور الأيام و علاقة عبلة و أمل بتطور , و بتقولها عبلة صريحة لأمل "أنا عاوزة اتجوزك ! " .. بس أزاي ؟! ازاي عبلة الغنيه اللي مش متعوده علي البهدلة تتجوز الصعلوك اللي معهوش حق القهوة اللي بيشربها ! عبلة مش بتاعة مرمطه في الموصلات , مش حتقدر تتعايش مع ذل الفقر و قهر الحاجة ! ..
" الفقير أصدق العشّاق، لأنّه لا يوجد ما يقدّمه من الإغراءات.. سوى قلبـه ! " .. جبران خليل
أمل كان بيحب عبلة بجد , بس مكنش قادر يتخيل أنه يكون سبب في أنهيار ملامح حياتها المريحة ! فكان بيطالبها بهدوء مستمر أنها تبعد عنه لمصلحتها و مكنش قادر يدرك أن حبها ليه هو كل مصلحتها ! .. فهو غير لها طريقة تفكيرها , شقلب لها رؤيتها للأحداث و الأشخاص و قضايا المجتمع , زرع جواها الولاء لقضية الأنسان و مقاومة كل مظاهر الظلم و التفرقة ... فتح عيونها علي عالم تاني , حياة مختلفة .. حياة الأكل فيها للروح مش للجسد .. حياة الأمان فيها للفكر مش للممتلكات .. حياة الحب فيها أعلي عملة للوجود !
في النهاية أتجوزوا و عاشوا مع بعض أعظم قصة عشق ممكن اي شاعر و كاتبة يعيشوها .. حتي بعد ما مات دنقل سنة 1983 , عاش حبهم و أتجسد في كتاب " الجنوبي " و اللي كتبته عبلة الرويني عشان تحكي قصة حب حقيقي أنتصر علي الفقر و الخوف و الظروف !! .. و ده جزء من رسالة بعتها دنقل لعبلة :
" ... أحبك كثيراً، لا أعرف الحالة التي أحبك عليها ولا أريد أن أعرف ,، لكنني أحسّ بالحب لك في كل الحالات، حتى عندما ينشط عقلك ويتصاعد في أبخرة الأوهام والتحليل العصبي والتنقيب في أشياء لا وجود لها، أحبك مبتسمة وغاضبة، حاضرة وغائبة، راقصة المشية أو هامدة الجسد، حتى عندما تقولين لي لا أحبك فإنني أحبك؛ لأنني أعرف أن هذا معناه عكس ما تقصدين تماماً يا حبيبتي الصغيرة.. صباح الخير أخرى.. سأحاول أن أعود للنوم؛ فالساعة الآن لم تتجاوز العاشرة، هناك أربع ساعات باقية على موعدك، وأنا لم أنم جيداً، سأحاول أن أنام، أن آخذك بين ذراعي، وأخبئ رأسك العنيد في صدري لعله يهدأ ولعلي أستريح ... "
No comments:
Post a Comment